رجال زمان- صورة تاريخية من النادي الأدبي وأثرهم في بلادنا
المؤلف: عبدالعزيز معتوق حسنين07.31.2025

تلقيت صورة ذات قيمة تاريخية عظيمة، تجسد نخبة من رجالات الزمن الجميل، وأعمالهم السامية التي أثرت هذا الوطن بإخلاص وتفانٍ. عندما تأملت تلك الصورة، شعرت برغبة ملحة في مشاركة قراء هذه الجريدة الكريمة شيئًا من تاريخ بلادنا العريقة، واستحضار ذكرى رجالاتها العظام، الذين بجهودهم تُبنى الأمم وتزدهر.
وفي هذه الأيام المباركة من شهر رمضان الفضيل، حيث تحل الذكرى السابعة عشرة لرحيل الوالد العزيز، أول مدير عام لمؤسسة عكاظ للصحافة والنشر، رحمه الله، أجدني مدفوعًا لاستعادة ذكريات أولئك الأفاضل، وتأكيد قيمة البر بالوالدين، الذي يتجلى أيضًا في إكرام أصدقائهم وزملائهم، رحمهم الله جميعًا.
فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، حين سأله سائل: يا رسول الله، هل بقي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما، وإكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما». وهذا كله من أسمى صور البر والإحسان إلى الوالدين بعد رحيلهما.
لذا، أود أن أشارك القراء الأعزاء تفاصيل هذه الصورة التاريخية، التي تحمل اسم "نادي السمرة". التُقطت هذه الصورة في مزرعة والدي، الكائنة في مدينة بحرة، وتضم أعضاء ذلك النادي المميز.
ورغم أن اسم النادي قد يوحي بأمسيات سمر اعتيادية، إلا أن الصورة التُقطت في وضح النهار، مما يعكس طبيعة رجالات ذلك الزمان، الذين كانوا يعتبرون السمر فرصة للاجتماع وتبادل الأفكار بعد صلاة العصر، وحتى صلاة العشاء، ثم يتناولون وجبة عشاء خفيفة وينصرفون إلى منازلهم، لينعموا بنوم مبكر واستيقاظ باكر، استعدادًا لبدء يوم عمل جديد بكل نشاط وحيوية. هكذا كانت حياة رجال الزمن الجميل. أما اليوم، فالسمر يمتد من بعد صلاة العشاء حتى طلوع الفجر.
ومن بين الشخصيات المضيئة التي تظهر في الصورة، رحمهم الله وأسكنهم فسيح جناته، والدي السيد معتوق، والأستاذ يونس سلامة، ويقابلهم الأستاذ محمد محتسب، والأستاذ عباس خميس، ويقابلهم الأستاذ عبدالكريم بكر، والدكتور عبداللطيف جمجوم، ويقابلهم معالي الشيخ محمد إبراهيم مسعود، ومعالي السيد حسن كتبي، ويقابلهما الأستاذ إبراهيم بكر زهران، والأستاذ محمد نور جمجوم. جميعهم كانوا قامات شامخة ورجالًا بحق، يصدقون القول بالفعل. أما في زماننا هذا، فمع الأسف الشديد، نجد الكثيرين أقوالًا بلا أفعال، إلا من رحم ربي.
الزمان لا يتوقف، والحكايات تتكرر، ولكن العقول تختلف، فمنها المتحجر، ومنها المتفتح. في الماضي، كان جهاز "الدش" يعتبر آفة، وإذا دخل المنزل، فإنه لا يتجاوز مجلس الرجال. أما اليوم، فقد وصل إلى غرفة الفتيات، والأهل في غفلة. في الماضي، كان السائق لا يتحرك مع بنات العائلة إلا بوجود محرم، وكانت غرفته معزولة عن المنزل. أما اليوم، فقد أصبح السائق هو المحرم، والبنت تخرج معه في سيارة مظللة، وغرفته في قلب المنزل، يدخل ويخرج كما يشاء، والأب في سبات عميق في الاستراحة مع أصحابه. في الماضي، كانت الأسواق هادئة، تأتي الأم وتشتري حاجياتها وتغادر. أما اليوم، فقد تحولت إلى منتزهات، وأصبحت الأيدي ممسكة بالهواتف، وتبادل الرسائل والغراميات.
ولكن يجب ألا نلوم رجال اليوم بشكل كامل، ففي اعتقادي ما زال فيهم خير كثير، إن شاء الله. المشكلة تكمن في تزايد الاختلاط بين الصواب والخطأ، وأصبح الكثيرون يسايرون العصر، ويتمسكون بالقشور، والنتيجة هي الرضا بالنهاية.
وأختم هذه الخواطر بقصة العجوز الذي مر به شاب فوجده يغرس شجرة نخيل، فسأله الشاب متعجبًا: أيها الشيخ، هل تأمل أن تأكل من هذه النخلة، فهي بحاجة إلى سنوات طويلة كي تعطي ثمرًا؟ فأجابه العجوز بحكمة: زرعوا فأكلنا، ونزرع فيأكلون. فهذا العجوز يمثل رجال الزمن الجميل، أما البعض من رجال اليوم، فيقول: أنا أولاً، وما بعدي الطوفان. رحمكم الله يا رجال الزمن الجميل.
للتواصل ((فاكس 0126721108))
للتواصل ((فاكس 0126721108))